سُئلت أكثر من سؤال في أكثر من موضوع لم أذكره في بلوجي السابق (صرخة مطلقة مكبوتة ) وقالت لي الكثيرات من صديقاتي: أرجوكِ قولي كل ما عندك وفضفضي ولا تخفي شيئا لعل أزواجنا يشعرون بنا -المتزوجات منهن طبعا، والمطلقات منهن لعل كلامي يشفي غليلهن مع أني طلبت منهن الكتابة والفضفضة لما وجدت في ذلك من أثر طيب في نفسي وفتح المجال للنقاش وتبادل الآراء والمواقف المختلفة التي يصعب على الناس فهمها بل وتصديقها في بعض الأحيان.
أسباب طلاقي
أعزائي .. لم أذكر أسباب طلاقي لاعتقادي أنها ليست محور المشكلة وليكن السبب الرئيسي من وجهة نظري وجيها جدا ولكن من وجهة نظر الآخرين غير ذلك. وأحب أن أوضح أنها مشكلة تواجه كثيرا وكثيرا من الزوجات في وقتنا الحالي، ومنهن من ترفض الاستمرار مثلي ومنهن من ترتضي الحياة كما هي لأسباب عديدة من أهمها وجود الأولاد ورغبة الزوجة في الستر والحياة كما هي مثل ما يقولون (أهي عيشة والسلام وظل راجل ولا ظل حيطة).
وهذه المشكلة -التي هي سبب طلاقي- هي اعتماد الرجل على المرأة، وأعني في كل شيء (ماديا ومعنويا) وهذا أصعب شيء ممكن يدمر العلاقة بين الزوجين، ولا أعني ذلك عدم المشاركة في متطلبات الحياة -لا سمح الله- حتى لا تظنوا بي الظنون؛ فالمشاركة مطلوبة ولكن الاعتمادية شيء آخر هو ما أعنيه وكأنه حق مكتسب للرجل لا يرضى بديلا عنه ولا يرضى أقل منه إذا سمحت به الزوجة منذ البداية.
لا أعلم لماذا يشكل هذا الموضوع نسبة كبيرة جدا من الزيجات الآن؟ هل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد؟ أم الأهم من ذلك غياب الدين في حياتنا؟.. أنا رأيي الشخصي أن غياب الدين والجهل بمعرفة دور الزوج الحقيقي في حياة الأسرة هو السبب ويؤدي ذلك انهيار تام للعلاقة بين الزوجين لاعتماد الزوجة على نفسها في كل شيء وفقدها احتواء الزوج وعدم تحمله للمسئولية فتختل موازين الحياة وتنهار الأسرة ويفقد الزوجان احترامهما لبعض، ثم.. تعلمون الباقي حضراتكم.
وبعد الانهيار -والذي لا يكون سهلا كما يتصور البعض، وإنما لا بد من وجود تنازلات من قبل (عادة) المرأة إذا كانت هي المطالبة بالطلاق- يبدأ الابتزاز المادي وطلب التنازل عن المؤخر (إن وجد) والنفقة وأي التزامات أخرى في مقابل حصولها على الطلاق (وإذا كان عاجبك، ولو لم تتنازلي خليكي كده مثل البيت "الوقف" لا زوجة ولا مطلقة وأنا من بكرة هتجوز ست ستك) طبعا هذا قبل نظام الخلع.
الواقع يتكلم
على فكرة أنا لا أقول قصصا وروايات إنما حقائق وربنا شاهد على كلامي وحدثت معي أنا شخصيا وتنازلت بالفعل عن كل شيء في مقابل الحصول على الطلاق، وبعد التنازل المغلف بالقهر والإذلال حتى تنجو المرأة من هذا الطوق تبدأ الأطواق الأخرى في فرض حصارها على الرقبة المجروحة التي لم تشف بعد من جرح طوق الطلاق وهي أطواق الأهل وما أدراك ما أطواق الأهل.
"أنت السبب".. "لم تقيمي لنفسك كرامة من الأول".. "لو لم تكوني على هذا الحال لم يكن قد عاملك بهذا الشكل"... وأشياء أخرى من هذا القبيل، ثم يأتي التضييق: (رايحة فين وجاية منين وشغلك بيخلص إمتى)، مع العلم أنهم يعلمون مواعيدها من قبل، و(من الذي يكلمك في التليفون ده ووووو .... إلخ).
فيض من الأسئلة التي تحرق الدم والتي لم تكن تثار وأنت فتاة لم تتزوج بعد. ولكن بعد الطلاق يتبدل الحال ويصبح على المطلقة من المحال لأنها لم تعد "بنت البنوت" وهي الحالة التي يستحيل معها الخطأ كما يعتقد البعض وإنما أصبحت كمن هتكت عرضها ومستباحة لأي شخص وتقال لها بصراحة ووضوح: (إنتي خسرانة إيه، متجربي ولو مش مبسوطة خلاص ولا يهمك عادي) وكأن الخسارة التي تخسرها المرأة هو غشاؤها فقط وبدونه تصبح في نظر الآخرين وهي بدون زوج عاهرة ومستباحة لأي شخص.
الزواج العرفي
عفوا يا سادة لصراحتي ولكن هذا ما يحدث ولا تستطيع بعض المطلقات قوله لخجلهن منه، ومنهن من لا يقلن لأنهن -والله أعلم بما في النفوس- يردن ذلك، ولكن للأسف معظم الرجال لا يفرقون -إلا ما رحم ربي- بين هذه وتلك، ويدفعون بالمطلقة لأكثر من اتجاه من إحباطها من هذه النظرة.
فمن المطلقات من تنحرف ومنهن من تتزوج عرفيا -وهو موضوع منتشر جدا لأبعد الحدود الآن بين المطلقات والأرامل.
وحتى ذلك الزواج له شروط وأسباب وجيهة عند الرجل كأن يقول الرجل من هؤلاء: (مراتي غيورة جدا عليا ورافضة تماما إني أتجوز تاني عليها وأرجوكي أنا محتاجلك جدا ومش عايز أعمل أي حاجة غلط تغضب ربنا ومقدرش أستغنى عنك أبدا واستحمليني لغاية ما أقدر أقنع زوجتي وعلشان كمان أولادي.. أرجوكي اقفي جنبي علشان أقدر أكمل حياتي...) إلخ هذا الكلام الذي يوجع القلب ويدوخ المشاعر المكبوتة والمحتاجة لأن تخرج في النور وليس في الظلام.. بالله عليكم أهذا ما يحدث أم أنا "غلطانة"؟.
وتصدق المطلقة المسكينة الوحيدة المشتاقة للحب والحنان والاحتواء والحماية والأمان المزعوم الذي يعوضها الفشل السابق وتطلب العفة في الحلال، وتقبل هذا الوضع "المهين في نظري" على أمل أن يكون في النور.
ويحدث بعد ذلك شيئان: إما أن يأخذ هذا الزوج متعته التي افتقدها مع زوجته وأم أولاده سواء كانت العاطفية أو الجنسية ويفيق بعد ذلك على عدم قدرته على مواجهة زوجته بالأمر فيأخذ قراره بترك الزوجة الثانية وبسرعة قبل أن تحدث الكارثة،
أو تحدث الكارثة بالفعل (عن طريق ولاد الحلال طبعا) وتعلم الزوجة بهذا الزواج وهنا يبدأ "السيناريو" المعروف لدى الجميع وتضع الزوجة الأولى الزوج في الاختيار المعهود (يا أنا يا هي يا روح ....... ما علينا) وطبعا بمنتهى السهولة تذهب للجحيم الزوجة الثانية إرضاء للأولى وتعيش المأساة مرة أخرى.
تعدد الزوجات
ولي هنا وقفة -يا جماعة- مع الزوجة إذا أراد زوجها الزواج بأخرى، وهذه مشكلة أثيرها ليس لكوني مطلقة وأقبل (طبعا مش بمزاجي) الزواج من شخص متزوج ولكن بعلم ورضا زوجته حتى يمكن أن تستقيم الحياة كما ذكر الشرع، وهذه هي المشكلة التي أفجرها بمنتهى البساطة يا سادة وهي أن الزوجات يقبلن (آه والله) أن يكون لأزواجهن علاقات من أي نوع غير سليمة ولا يقبلن أن يكون لهم زوجة أخرى.
وهذا ما يحدث يا سادة وسمعته من أفواه الزوجات "العاقلات المتدينات" وهن يقلن: (يمشي زي ما هو عايز ويعرف زي ما هو عايز وي.... زي ما هو عايز ...... لكن يتجوز لا وألف لا).. بالله عليكم هل هذا يرضي الله عز جل؟؟.
أنا لا أناقش ولا أفتح موضوع تعدد الزوجات لأنه قتل بحثا قبل ذلك، والزوجات لا يقتنعن ولا بعد مائة عام به، ولكن أطرح قضية ملايين المطلقات والأرامل -وأنا واحدة منهن- وما لهن من متطلبات مادية ومعنوية وجسدية، وكيف نتعامل مع هذه القضية وهي مشكلة أصبحت خطيرة بالفعل ولا داعي لأن ندفن رءوسنا في الرمال ونقول أمام المرآة: إحنا تمام وبمب!! زي ما قال وزير الصحة في فيلم النوم في العسل
عروض سرية
يا جماعة أسفة جداً أثقلت عليكم هذه المرة، ولكن طلبتِم مني الفضفضة، وهأنذا أفضفض ببعض المآسي التي مرت بي منذ طلاقي وحتى الآن، ومن أصعبها عروض الزواج السرية الكثيرة جدا التي عرضت عليّ من قبل رجال غاية في الاحترام والتدين، ولكن نظرة المجتمع أيضا لمن يتزوج زوجتين نظرة عقيمة جعلت الرجال يخشون المغامرة ويبعدون تماماً عن الشرع مقابل إرضاء الناس والمجتمع والعرف، ويبعدون كذلك عن المثل القائل "زوج الاثنين يا فاجر يا قادر
وطبعا لا يجرؤ أي شخص على البوح بما يريد من زواج إلا إذا كان من الجرأة بمكان لتحمل ما يحدث له أولا من قبل زوجته ومن قبل المجتمع المحيط به، وطبعا لازم يأتي على المسكينة التي تقبل الزواج السري ولازم تستحمل أي شيء من اضطهاد وعدم خلفة ووووو...، إذا كان عاجبها
ونأتي لنوع آخر من عروض الزواج للمطلقة من أزواج يريدونهن أمًّا بديلة لأولادهم لموت الأم أو طلاقها، وذلك في مقابل البيت والأسرة المفتقدة التي تحتويها بكل الحب والحنان... إلى غير ذلك من هذه الشعارات.
وتقبل المطلقة وتدخل الحياة بأمل جديد وتفاجأ بحياة لا بد من أن تعيشها بدون أي شكوى ووجود مسئولية أولاد ليسوا منها، وإجبارها أن تكون أمًّا بديلة لهم بدون حتى مقابل معنوي من الإحساس بها كأنثى أولا قبل فرض الأمومة عليها ومنعها في معظم الأحيان من أن تكون أمًّا لطفل من أحشائها.
وسوف تقولون لي بأنها تعلم ذلك من قبل الزواج؟؟ وإيه إالى غاصبها ؟؟ ولكن أقولها لكم : ليس كل مطلقة تقبل الزواج من رجل له أولاد تقبل بصدر رحب 100%، وقبول الفكرة لا يكون إلا لظروف معينة، ومهما كانت درجة حبها لهذا الشخص يظل لـ "عبء الحياة ومتطلباتها الشخصية كأنثى" قدر كبير داخلها، ويكون خوفها الشديد والمريع والشنيع من
الفشل مرة أخرى هو الدافع لعدم الشكوى من أي شيء. مهما كانت
وذلك مما يضطرها إلى تقبل الحياة كما هي، وهذه هي المشكلة الكبيرة جدا جدا التي أختم بها كلامي مع أني لا أريد التوقف، ولكن حتى لا أكون ثقيلة بقدر كبير هذه المرة.
فمن أهم مشاكل المطلقة المقبلة على زواج ثان خوفها الشديد من الفشل الثاني لأن وقتها المجتمع من حولها لن يرحمها، وسيلقي عليها كل اللوم والعتاب وتبعية أي فشل آخر وكأنها المسئولة الوحيدة عن الطلاق وانهيار الأسرة وليس الرجل.
فعند اختيارها أي شخص مرة أخرى حتى لو كان هذا الاختيار تحت أي ضغوط مثل الحاجة -سواء المادية أو المعنوية أو الجنسية- فإنها تستبعد تماما أي فشل مرة أخرى وتتحمل وتتحمل حتى لا يقال إنها فاشلة ولا تستطيع الحياة مع الرجل وهو الملاك الطاهر البريء. إلي الجناحات طالعة من قفاه
سامحوني إذا كنت قاسية بعض الشيء على الرجل، ولكن لا أنكر أنه يوجد رجال أفاضل يستحقون الإجلال والتقدير ويعلمون جيدا حق المرأة ويحافظون عليها، ولكن يا سادة هذا جزء صغير مما يحدث في مجتمعنا الحالي مع المطلقات.
وكلنا يعلم ذلك والرجال والزوجات يعلمون ذلك، ومع كل هذا فستظل الزوجة ترفض زواج زوجها مرة أخرى ليعف امرأة مطلقة أو أرملة، وسيظل الزوج يعرض الزواج السري على المطلقة، (وكفاية عليها كده)، وستظل المطلقة تعاني من مجتمع ينظر لها على أنها درجة (ثالثة كمان) وليست ثانية وذلك لمجرد أنها مطلقة.
وإذا كنت "غلطانة" في حاجة أرجوكم صارحوني وبدون إحراج.
وآخر كلمة قالتها لي صديقة في أثناء طلاقي: (خدي بالك، بعد كده إنتي سوف تُختاري) -بضم التاء- ولا تَختاري (بفتح التاء).. فكروا فيها براحتكم.